-A +A
خالد ربيع السيد
يمر التلفزيون في مفهومه العام حاليا بتحولات جذرية، حيث بدأت شركات تطبق تكنولوجيا حاسوبية واتصالية متقدمة لاعادة تصنيع هذا الجهاز بحيث يصبح وسيطا اعلاميا جديدا يجعل من “تلفزيون اليوم” مجرد ذكرى بعيدة، فيما سوف يسيطر التلفزيون الذكي –الذي تسعى المملكة لتفعيله كسبق تكنولوجي في منطقة الشرق الأوسط- كوسيط متفاعل ثنائي الاتجاه يربط المشاهد بفيض من آفاق جديدة لا يضمن الفردية وحدها هذه المرة، بل الانتقال من الفردية الى الذاتية المغلقة عبر ما تتيحه الشاشة الجديدة من امكانيات تلغي فكرة التنوع المذهل لتلفزيون البث المباشر والانتقال نحو فكرة المشاهدة الذاتية التي يحددها المشاهد بواسطة أنظمة حاسوبية ذكية حسب ما يشبع خصائصه النفسية والاجتماعية، فيشاهد برنامجه المطلوب في أي وقت يشاء مع استدعاء مادة من ذاكرة الحاسوب.. كل ذلك عن طريق أدلة وموجهات البرمجة الذكية وهو ما اصطلح على تسميته بـ”المشاهدة التفاعلية”. ومن المرجح في قليل من السنوات القادمة ان تنتقل المشاهدة التفاعلية مع ظهور محطات التلفزيون ذات القوة المنخفضة (LPTV) التي لا يتجاوز نطاق ارسالها مساحة عدة كيلومترات، سيكون التوجه اذن نحو فئات صغيرة من المجتمع بدلا من التوجه الى الجماهير العريضة. لكن مع تزايد انتشار محطات الراديو بالتردد FM بدلا من النظام AM في الارسال المحلي والمناطق المحدودة يكون ازدياد التوجه نحو مخاطبة الجماهير قد أخذ مسارا جديا بدلا من الاذاعات العامة الموجهة على مستوى القطر بأكمله، الى جانب التوسع في استخدام خدمات الراديو منفخضة البث ذات نطاق الارسال المحدود للغاية.
تعزيز الاتصال الفردي

إلا ان استيراد وسائل تكنولوجية جديدة الى المملكة لنقل المعلومات بشكل فردي مثل الفيديوتكس والتليتكست وقواعد البيانات والبريد الالكتروني وجميعها وسائل تعمل على تعزيز الاتصال الفردي مع الآلات على حساب الاتصال الشخصي بين الأفراد ستترفع من استخدام وسائل الاتصال الجماهيري مثل الصحف والتلفزيون والراديو مما يؤدي الى تلاشي العزلة النفسية والاجتماعية لدى الأفراد الى جانب ان هذا التطور سيؤدي الى الغاء العديد من المهام التقليدية التي كانت وسائل الاتصال العامة تقوم بها مثل الاعلام والتعليم المشترك ونقل التراث والتنشئة الاجتماعية التثقيفية.
لهذا يمكن تلمس ما ستتيحه التكنولوجيا المعاصرة في مجال الاتصال من حيث ظهور أجهزة الجيب الصغيرة بالاتجاه الى تحويل مشاهدة التلفزيون الى عملية ذاتية تماما الى جانب الخدمة الجديدة التي طورتها شبكة امريكية متمثلة في نظام نقل الأفلام ومواد التلفزيون من خلال تكنولوجيا الكابل اثناء ساعات الليل، وذلك على أجهزة فيديو كاسيت مزودة بعداد زمني مقابل تقديم رسوم قليلة يدفعها المتلقى الذي يدير هذه الأشرطة بأسلوب (Paly Back) وهذا الاستخدام يجعل التلفزيون عاملا شخصيا بحتا يشبه قراءة الكتاب.
بعثرة المتلقين
الا ان كل ذلك سيؤدي الى بعثرة المتلقين التي ستمارسها التكنولوجيا كونها تتيح للأفراد قدرا من التحكم في نوع الوسيلة المستخدمة واختيار المضمون وستعمل على تضييق اهتمامات الأفراد ووضع أجندة خاصة بهم في القراءة والاستماع والمشاهدة يظهر فيها التباين في معادلة ما يريده المتلقي وما يحتاجه بالفعل، فالعادة حينما يتعرض الملتقي لوسائل الاتصال العامة نجد انه من الصعب تجنب بعض الأخبار الاجنبية أو المعلومات الخارجة عن دائرة الاهتمام الذاتي، وهذا التعرض يؤدي عادة الى زيادة اهتمامات الأفراد وتوسيع مداركهم، وهو التعرض الذي يمنح المتلقي الكثير من المعارف في شؤون العالم ويحقق اندماجا أساسيا مع توجهات الرأي العام، ولكن عملية تفتيت الاتصال الجماهيري سوف تؤدي الى تقليص الخبرات المشتركة التي تعودت وسائل الاتصال انتاجها ليحل مكانها خبرات فردية أو خبرات ابناء الفئة المتجانسة الواحدة على حساب الخبرات الشمولية الواسعة التي كانت تتيحها الوسائل في الماضي، وسوف يؤدي هذا الأمر الى التقليل من قدرة أجهزة المجتمع المدني الكبرى في تحقيق الاتفاق والالتفاف حول البرامج السياسية والاقتصادية والثقافية التي تطرحها مؤسساتها للصالح العام.
تضاؤل الخبرات
من جهة اخرى وبحسب مبدأ ما ينطبق على المجتمع سوف ينطبق على الأسر، فمن المتوقع ان التعامل الفردي مع الاتصال سيؤدي الى تضاؤل الخبرات المشتركة بين الزوج والزوجة وبين الآباء والابناء وسيؤدي الى اختلاف في المفاهيم والى تباين حول القيم علاوة على ان هذه التكنولوجيا ستعمل على تفتيت خصوصية الأفراد أنفسهم.
وعلى هذا الأساس يبدو ان المشهد القادم لمستقبل وسائل الاتصال سيرتبط الى حد كبير بطبيعة التغيرات التكنولوجية التي حدثت مؤخرا من حيث صراعها أو توحدها مع أهداف الاستثمار في التثقيف والتسلية.